أ د صالح بن سبعان
صحيح أن الله لم يختصنا دون سائر الدول والمجتمعات بهذا النوع من الإدارات الكوارثية ، إذ أنه يشيع ويكثر في الدول النامية المتخلفة والفقيرة أكثر مما يشـيع في غيرها . ولما كنت لا أحب أن ننظر لأنفسنا كواحدة من هذه الدول ، إذ أننا والحمد لله نمتلك كل مقومات الدول العظمى أو الكبيرة ، فإننا يجب أن نتعامل مع أنفسنا وقضايانا من هذا المنظور .
ومصطلح الإدارة الكوارثية ، تبلور في ذهني واكتسب ملامحه الواضحة في وعيي أثر كارثة سيول محافظة جدة بمنطقة مكة المكرمة الشهيرة والتي فقدت فيها شقيقتي الغالية " عفاف "، والتي أودت بحياة مايزيد عن الميئة شهيد ! رحمهم الله
يومها اشتعلت صفحات صحفنا اليومية بالمقالات والمراثي الشعرية والنثرية ، واحتدم الجدل عنيفاً وتطايرت الاتهامـات هنا وهناك .
الانفجار الذي دوى على صفحات الصحف وباقي وسائل الإعلام المختلفة من وسائل التواصل الاجتماعي كان في ظاهره يبدو أكبر من الحدث نفسه ، رغم فداحة الحدث وفاجعته ، ليس لأولياء وذوى الضحايا فحسـب ،
إلا أن رد الفعل كان يبدو في ظاهره أكبر منه ، وهو بالفعل كان كذلك . لأنه كان رد فعل على كثير من أوجه القصور والإهمال المتراكمة على مر السنوات ، لذا تجاوز رد الفعل الحدث نفسه ، وتمدد ليحاكم كل أوجه القصور المرئية منها وغير المرئية .
علماً بأن الحدث لم يكن وليد لحظة حدوثه ، والكارثة لم تكن وليدة لحظة وقوعها ولكنها نتاجاً لمجموعة من أشكال الإهمال والقصور التي ظلت تتراكم يوماً بعد آخر ، إلى أن أنتجت شكلها المأساوي الأخير.
إلا أن أحداً لم يكن يتابع الأمور أولاً بأول ، ليعالج ويصحح الأخطاء وأوجه القصور حتى لا تأخذ شكلها النهائي هذا ، أو حتى يشير إليها .
يومها تبلور في ذهني المعنى المتكامل لمصطلح الإدارة الكارثية بعد أن ظل في خاطري سنوات طويلة ، وأنا أتأمل أمورنا العامة فأرى النار تحت مستصغر الشرر ، وأعجب كيف لا يستطيع المسئول رؤية الوضع المستقبلي أو النتيجة المستقبلية لهذا الوضع .
إلا أنني أرد ذلك إلى غفلة المسئول ، وإلى انغماسه في تفاصيل الإدارة اليومية وغرقه في هذه التفاصيل ، مما يحجب الرؤى المتكاملة عنه لهذا الوضع ونتائجه المستقبلية إذا ظل على حاله هذا .
إلى أن إتضح لي ـ بعد الكوارث الاخيرة أن هذه ليست حالة خاصة ، بقدر ما هي نمط متماثل في الإدارة ، وأعنى به تلك العقلية الإدارية صاحبة النظرة الجزئية ، والتي لا تلم ، أو تعجز عن الرؤية الكلية للعملية الإدارية ، ولا تتحرك إلا حين تقع الكارثة .
وسلوكها الإداري عند وقوع الكارثة هو ذات النمط السلوكي المألوف عند هذا النوع من الإدارات ، ويتمثل هذا السلوك في يقظة مفاجئة تشبه قفزة النائم مذعورا حين يباغته الصوت أو الحركة العنيفة أثناء نومه ، فيهب جزعاً . ويتميز رد الفعل في هذه الحالة بالعشوائية ، كما يتميز بالاستجابة الانفعالية ، أي الاستجابة التي لا تستند على الفكر الواعي .
لذا فإن معالجات "الإدارة الكوارثية" للأزمات واستجابتها وحلولها إنما ينتج المزيد من الأخطاء ، لأنها حلول آنية ، انفعالية تفتقر إلى الوعي والدراسة والتفكير الهادىء .
ولعل هذا هو الذي يمثل الفارق الحاسم بين وحدات "إدارة الأزمات والكوارث" التي تعد مسبقاً ، وتدرس كافة أوجه واحتمالات الأزمات والكوارث ، وتعد المعالجات لمواجهة كل احتمال من الاحتمالات المتوقعة ، وبين "الإدارة الكوارثية" التي تظل غافلة ذاهلة عن أوضاع المؤسسة أو المرفق أو المنشأة ، غير متحسبة للطوارىء وغير منتبهة لواقع أوضاعها حتى يفاجئها الحدث ، وعندها فقط تتحرك في خطوات مضطربة ، لتصدر قرارات أكثر اضطرابا وتناقضاً