بقلم : أ د صالح بن سبعان
على نحو موضوعي أرجو أن يُفهم ما سأقول هنا ، لأنه يتصل بأداء أكثر مؤسسات دولتنا حساسية وأهمية ، وهذا ربما يبرر أهمية ما سأطرح . فقد قادتني الظروف قبل أيام إلى أحد مقرات هيئة الادعاء والتحقيق ، وشاهدت بعضاً ممن أراد لهم الله أن يقفوا أمام شيوخنا متهمون بتهم شتى ، بعضهم ترتسم على وجوههم وتطل من نظراتهم سحائب الخوف والرهبة ، وبعضهم يثقل كاهله الخجل والعار مطأطئ الرأس وكلهم يسير مثقل الخطى من الأصفاد التي تقيد يديه والقيود الثقيلة على قدمية وهي تُصدر صوتها الحاد كلما تحرك أحدهم أو رفع كفيه ليحك عينه ، شئ ما في تلك اللحظة وكأنه الأسى والحزن العميق ألقى بثقله على صدري ويدفعني لأن أقطع حديثي مع محدثي لأخرج أتنفس وأملأ صدري بالهواء . وسألت محدثي وهو صديق قبل أن يكون أحد تلامذتي بالجامعة عن جرائم هؤلاء الناس ، وكنت أظنهم من مرتادي الاجرام وعتاة المجرمين القتلة ، ولكنني عرفت بأن جرائمهم ليست من ذلك النوع الذي تسمع به فيقشعر جلدك خوفاً ، وإنما هي جرائم بسيطة وجنح عابرة يمكن أن يتعرض لها أي إنسان تحت تأثير ظروف معينة ، وليست قدرات الناس على امتصاص الصدمات وضغط الظروف واحدة أو على مستوى واحد .
حسناً . أنا أدعي متيقناً ومؤمناً بأنني أنتمي إلى دولة أنعم الله عليها بما لم ينعم على كثير من الأمم والشعوب ، ومع فخري واعتزازي هذين فإنني أحمد الله وأشكره أن أنعم عليّ بهذا الشرف ، ولكنني انسان طموح ، وهذا عيب لا أخجل منه ، وأحلم بأن يكون وطني هذا قدوة ونموذجاً لكل الدول في العالم ، وأنا موقن ومؤمن بأن وطني لا ينقصه شئ ليكون هكذا ، لا تنقصه القيادة الرشيدة المؤمنة القوية الأمينة المخلصة ، ولا ينقصه مصدر التشريع فهو يحتكم إلى المصدر الإلهي وشرعه ، كما لا ينقصه الإنسان المؤهل والشعب القادر الذي يستحق الاحترام والتقدير . وأزعم بأن ما رأيته صدمني بقوة لأنه لا يعكس هذا الاحترام والتقدير الذي يستحقه الانسان ، أياً كان هذا الانسان .
فلنحاكم وفق ما شرع الله كل من يرتكب جرماً في حق الناس وفي حق نفسه ، هذا واجب لا يعلو عليه واجب ، ولكن من يقف بين يدي المحقق والادعاء العام لم يبت القضاء بعد في تهمته ، فهو لم يدان حتى الآن ، وكل ما هناك انه مدعى عليه ألقت عليه الشرطة القبض وفق قرائن أحوال أو أقوال ، وجاءت به إلى الجهة التي ستحقق في هذا الاتهام ، وهي التي ستقرر ما إذا كان يستحق أن يقف أمام القضاء أم لا ، ثم للقضاء بعد ذلك أن يقرر ما إذا كان هذا المتهم يستحق العقاب ونوعه أم انه بريء ، إذن لماذا يتعرض لكل هذا الذل والقهر والعذاب ويكلل بالعار؟!.
هذا السؤال أضعه بين يدي ولاة أمرنا ، فهم أحرص منّا على كرامة الإنسان الذي كرمّه الله وفضله على كثير مما خلق ، ونحن والعالم كله من حولنا يعلم هذا يقينا .