• ×

01:07 مساءً , الجمعة 20 جمادي الأول 1446 / 22 نوفمبر 2024


خلود اللهيبي تكتب فصل في حياتي

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
بقلم خلود اللهيبي
بقلم خلود اللهيبي
أروي لكم قصتي وأنا في عقدي الثاني من العمر بعد تجارب ومحطات مختلفة مررت بها في حياتي ولدت بعام ١٤١١ه لا اعرف ما الذي سأعيشه لا أعرف هل سأعيش في سعادة أم شقاء أم بين هذا وذاك، خلقني ربي وأرادني أن أعيش هذه الحياة وأن أعرف عظمته وقدرته ورحمته بعباده، أعيش كي اتعلم وأعلم غيري، أصبر وألهم الآخرين الصبر، كي أحلم وأعلم غيري كيف يكون الحلم.
كان أول تحدٍ استفتحت به حياتي حين بلغت الخمسة أشهر من عمري الجديد حين فوجئ والداي بأنني لا أرى لا أرى سوى النور كم كانت الصدمة كبيرة على قلب أمي وأبي فليس من السهل عليهم رؤية مولودتهما الأولى وهي تعاني من أمرٍ يشكل لها أكبر تحدٍ في هذه الحياة وأنها بحاجة إلى الاهتمام المتواصل والدعم المستمر لكي تتغلب عليه، بينما أنا فقد كنت طفلة لم أدرك ذلك الهم الكبير الذي حمله والداي وأنا بينهما في مثل هذا العمر،
استطعت تجاوز هذا التحدي لأنني أدركت في ما بعد أن لي في هذه الحياة أهدافاً عظيمة سأعمل ما بوسعي لتحقيقها، أبسطها إسعاد من حولي ما استطعت وزرع الابتسامة في قلوبهم المتعبة، ويقيني التام بأنني بهجة شخص ما على وجه الأرض سيسوقه الله لي يوماً أمنحه شيءً من علمي وعملي واهتمامي وصفاء سريرتي، وهذه كل غايتي وأمنيتي.
وتتوالى التحديات وكأنها تصر على تحطيم عزائمي ودحر قوتي وأنا بعمري الصغير، لأجد نفسي بين خلافات والدَيّ اللامتناهية، وأهتف بصوتٍ لم يسمعه إلا قلبي الصغير: لا تتركوني أمي أبي أرجوكم لا تختلفا لا تتشاجرا احتياجي لكما في أشده فلا تتفرقا حباً لي وحناناً علي، أريدكما النور الذي لم يخلق في مقلتَيّ والفرح والسعادة الذين يحيى بهما قلبي، أريد أن أكبر بينكما وتحت أعينكما وتشاهدان سلوكي وتصرفاتي وتقومانهما كي أكون إنسانةً صالحة أنفع نفسي ومجتمعي، فأنا أغلى من أن تشتتنا خلافات تافهة لا تحكم عقلاً ولا ترقق قلباً. ولم تلق كلماتي آذانٌ صاغية وتلبيةً لصوتٍ خرج بها حزيناً، افترق أبي وأمي وتربيت بعيدة عنهم بين يدي جدي وجدتي حتى أبي لم أعش معه، قد كُتِبَ علي هذا المصير وكلي رضا به وقبول لأنني أدرك أن ربي أرحم بي من والدَيّ الذين استسلما للخلافات وتفرقا.
ورغم كل ذلك استمرت الحياة وكبرت قليلا حتى بلغت السابعة من عمري التحقت بمعهد النور للمكفوفين بجدة بمساعدة جدي، ويتميز بوجود سكن داخلي للطالبات الملتحقات من مناطق بعيدة؛ لتبدأ رحلة العلم والمعرفة شأني في ذلك شأن غيري من قريناتي من المبصرات. تعرفت على صديقات وتطورت علاقتي بهن وأصبحن أخواتي التي لم تنجبهن أمي، وهن العوض الجميل من ربي الذي لم يشأ أن يكون لي أخوات شقيقات تتبادلن معي معاني الأخوة والمحبة. كان السكن عبارة عن خمس فتيات في غرفة واحدة وتشرف عليهن عاملة تهتم بهنّ وتحرص على راحتهنّ وتتولى مدرساتنا مهمة التعليم والتدريب.
وفي هذا المعهد شاء الله بأن يضعني تحت يدي عاملة لم تخشَ الله فكثيرا ما كانت تضربني وأسكت لأنني لا اعرف لمن أشكوها ولمن ألجأ لأتقي أذاها المتواصل فلم تكن حيلتي غير السكوت والبكاء الصامت خوفا من أن تسمعني وتضربني أيضاً. لم يزد بهجتي في المكان غير صديقاتي ومدرساتي هن مصدر صبري من بعد ربي.
وبعد أن بلغت العاشرة من عمري في الصف الرابع الابتدائي تعايشت مع اوجاعي وانكسارات قلبي وقلة حيلتي وفقداني للبصر وفراق والداي عني وتربيتي وحيدة بعيدة عنهم لم أشعر بحنان الأم وخوف الاب ولم أشعر بمعنى كلمة عائلة رغم بعدي عنهم أحبهم حب لا يوصف ورغم افتراقهما أحببت أن أكون الفرح لقلبيهما والفخر الذي يفتخران به ولو من بعيد.
وما أن استجمعت قواي قليلا حتى أتاني الخبر الذي نزل على رأسي مثل الصاعقة، وهو وفاة والدي، ضاقت علي الأرض بما رحبت وضعفت قواي لم يعد بي صبراً ولا حلم ولا أريد هذه الحياة لماذا @ لم افرح بوالدي بعد لم أكبر قليلا لكي اجمع بينه وبين أمي،،، صغيرة فعلا ولكن قلبي كبير جدا لن يصدق أحد ولن يشعر بأنني رغم صغر سني شعرت بوالدي عند وفاته شعرت بلحظاته الاخيرة وأنفاسه الاخيرة أوجعني قلبي بأنني لم أكن بجواره ولم أمسك يده ولم أحتضنه للمرة الاخيرة الموت الأب أمرٌ مفجعٌ يفقد الرغبة في كل شيء ويفرض الحزن على قلوبنا فرضاً مؤلماً ولابد منه.
،،، كرهت مكان دراستي معهدي لأنني ألومه بشدة على عدم رؤيتي لوالدي الحبيب، شعرت بقسوة الحياة علي ونتيجةً لذلك أصبح مستواي الدراسي متدنياً تعبت تألمت شعرت بالوحدة الشديدة رفضت أن اتعلم وأستقبل الدراسة مدرستي تهددني بأن أحجز مقعدي للسنة القادمة لفشلي في الدراسة ولا تعرف ما هي علتي ولا تعرف وجعي وانكسار قلبي بكيت وجعا وفقدا وبكيت على نفسي الحزينة ،،، ولكن لن يتركني ربي نعم ربي رفع مابي من قوة وأعطاني المزيد وأكرمني جعلني أذكى وأرقى من ما كنت عليه كبرني وكان بجانبي أكرمني بقوة عقل أستطيع التحكم بها رغم ما بي من جراح ووجع رفع ما بي من صبر وجبر ما بي من كسر ووجودي بجانب جدتي قواني أيضا فزت بتخرجي من الجامعة رغم فقدي لبصري تعلمت الحاسب وعلمت نفسي بنفسي أصبحت في العشرينات أدركت بأنني أنا الوحيدة المسؤولة عن نفسي أدركت بأن لنفسي علي حق يجب أن أفرحها وأقويها قرأت كثيرا أقنعت نفسي بأن أتغلب على كل حزن يواجهني لأنه لم يعد هناك أحزان أكثر من ما مررت به فالحمد لله دائماً وأبداً توظفت في جامعة الملك عبدالعزيز وكنت أعمل مدربة حاسب آلي كانت مدة عملي أربعة أشهر وبعدها انتقلت إلى مكة كان سبب تركي للوظيفة بأنها في منطقة أخرى توظفت في أماكن متعددة ولم أجد الارتياح فيها، فواصلت السعي الدؤوب لكي أجد الوظيفة التي تسهم في تطور قدراتي وإمكانياتي، غير أن هذا السعي قد عكر صفوه مرض جدتي التي أصبحت هي الأم والأب لي بعد وفاة والدي وابتعاد والدتي، علمتني معنى أن الأم هي التي تربي وليست التي تنجب، جدتي هي أمي التي أكن لها مشاعر البنوة وتكن لي مشاعر الأمومة، أصبح كل من حولي يدرك منزلتها بقلبي ومنزلتي بقلبها، هي الروح التي بقيت تخاطب روحي التي أسرتها الوحدة والعزلة، ظل المرض يفتك بجسد أمي بلا رحمة، وراحت تتردد على المستشفى من فترة لأخرى، تتحسن صحتها تارةً وتسوء تارةً أخرى، حتى توفاها الله بعد صراعٍ طويلٍ مع المرض، لأجل أن تبقى معي أطول فترة ممكنة.
موت جدتي أشعرني بنهاية الحياة، ونهاية الأحلام التي رحت أبنيها حلماً حلماً إلى أن أراها كياناً شامخاً أتسلح به كواقعٍ جميل، لكن وفاة جدتي أوقف كل شيء حتى كدت أحسبها النهاية، أغلقت على نفسي أبواب الحياة وعشت مع الحزن فترةً ليست بالقصيرة، لم ولن يفلح أحد في تعويضي عن جدتي واهتمامها بي، فهي التي استقبلتها مداركي ووضعت مكانتها في قلبي بعد أن تخلى عني الجميع.
ثم بعد أشهر من وفاة جدتي، تراجع حزني ولو بالقدر اليسير، لأستأنف رحلة البحث عن الوظيفة التي تجمع شتات أحلامي التي بعثرها رحيل جدتي، وكم كانت رحمة الله بي واسعة، حين شاء أن ألتحق بالعمل في جمعية التنمية الأسرية بمكة، حيث الاستقرار النفسي والاطمئنان القلبي والدعم والمساندة والتطوير الذاتي الذي قدمته لي مديرة الجمعية التي لم تشعرني يوماً بأنني مختلفة عن الموظفات فقد كانت مؤمنة بقدراتي وإمكانياتي وسعت جاهدةً لأن أرى الحياة بعين جديدة نورها الأمل والإيجابية والتفاؤل وبدعمها وتشجيعها التحقت بدورة إعداد المدربين التي لطالما حلمت بها ولم أستطع الالتحاق بها لعدم توفر التسهيلات اللازمة التي من شأنها مساعدتي على اجتيازها بنجاح، وها أنا اليوم أصبحت مدربة معتمدة قدمت العديد من الدورات بفضل دعم مديرتي ومساندتها وتشجيعها لي وتفهمها لظروفي من دون إطلاق أحكام متسرعة كما يفعل الكثير من أفراد مجتمعنا.
وبعد كل تلك التحديات، ما زال قلبي ينبض بالأمل رغم مرارتها، ويتطلع لأن يكون كغيمة لا تمطر إلا الخير والسعادة لمن حوله.
بقلم خلود اللهيبي

 0  0  7.3K

التعليقات ( 0 )

قناتنا على اليوتيوب

آخر التعليقات

من القلب الف شكر ابا ابراهيم على جهودك الإعلاميه وتغطياتك المتميزه دوما  اقول لك كفيت ووفيت فعلا
مقصورة #الراجحي تحتفل بـ #اليوم_الوطني_94

20 ربيع الأول 1446 | 1 | | 253
  أكثر  
الف الف مبروك صحيفة وطنيات ومنها للأعلى إن شاء الله عالميه
وطنيات تحصل على العلامة الذهبية على منصة "أكس"

26 محرم 1446 | 1 | | 222
  أكثر  
الطريق لم يتصل ببعضه فكيف يطرح للصيانة قبل اكتماله 
طريق خاط ثلوث المنظر تجرفه السيول والنقل ترد

17 محرم 1446 | 1 | | 333
  أكثر  
سوق الإثنين من الأسواق القديمة جدا وكان إلى وقت قريب يرتاده المتسوقون وحاليا، طاله الإهمال. بلدية ال
بالصور - سوق الأثنين الأسبوعي في بارق بين الأهمال ومُطالبات الأهالي

16 محرم 1446 | 1 | | 200
  أكثر  
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 01:07 مساءً الجمعة 20 جمادي الأول 1446 / 22 نوفمبر 2024.