أميرة محمد صديقي
كنت أسير والأفكار تهيم بي وكأن الضمير الغائب قد عاد فجأة، وقفت أمام المصعد والأفكار مازالت تتراماني، وحينما فُتح باب المصعد، وقع نظري عليه حتى أصاب قلبي من رؤياه صدمة، جحظت عيناي واختطفت أنفاسي، لقد عرفته منذ زمن بعيد، أستطيع تمييزه من بين الجموع، ولكنني لم أره عن قرب قبل هذه المرة، لم أعره اهتماما لأنني لم أكن أنظر إليه بجدية قبل هذه المرة، لقد كان معي طيلة الوقت ولم استطع تمييزه لكثرة انشغالي بالفراغ وبما ليس لي، لقد اختطفت ذلك اليوم، لقد خُطفت روحي لدرجة أن الجميع استقل المصعد وأنا ظللت هناك متيبسة.
استدرت حينها وعدت إلى المنزل، لابد أن أصل إليه بأي طريقة، أنا أعرف اسمه ومحركات البحث تضج بالمعلومات عنه، قضيت مايقارب الأربع ساعات متواصلة ليلتها ابحث عنه، قرأت أكبر التفاصيل وأصغرها، أين ولد ؟..ومتى؟.. من أصدقائه؟.. من أعدائه؟.. نمت واستفقت وكررت البحث وأصبحت ساعات البحث في تزايد مستمر، أصبحت أعرف عنه أكثر مايعرفه هو عن نفسه، لقد شغفني حبا.
كنت أنام وأنا أقرأ عنه وإن غفت عيناي لسويعات استفقت مكتفية سعيدة في همة عالية لاستكمال الرحلة، تغيرت حياتي 180 درجة، وإن صح التعبير فسأقول أن شغفي به سرقني من حياتي، لم أعد أكترث لأي شئ سواه وطريقة ملاقاته، أصبح الأكل تحصيل حاصل وإن لم يوجد فلا بأس،أصبح الخروج والتجمعات الفارغة لاتعنيني، انعدم انشغالي بالاخرين، أصبحت مواقع التواصل لدي مهجورة، لم أعد أعر اهتماما لأي شئ خارج العبادات والمسئوليات، ولم يعد يربطني بالواقع الخارجي سوى هواء أتنفسه ومحركات بحث.
بعد مرور شهور طوال حان موعد اللقاء، ولم يكن بيني وبينه سوى مسافة ومال، فأنفقت مذخراتي وبعت شيئا من ممتلكاتي بكل سعادة وفخر ودون أدنى شعور بالندم لما قد تأول إليه هذه المغامرة، وها أنا الآن على متن الطائرة.
أعلم أنكم تظنون أنني أتحدث عن حب رجل، ولكنني حقيقة أتحدث عن الشغف حينما يخالط الحلم والهدف، أتحدث عن ذلك الشعور الرائع القادر على أن ينتشلك من الضياع ويلقي بك في روعة الإنجاز والنجاح، أتحدث عن ذلك الشئ القادر على أن يختطف وقتك بإجازة منك وتصفيق، ذلك الشئ الذي تعطيه كل ما تملكه دون استثناء من وقت وراحة وجهد ومال وصبر وإرهاق وكل شئ فقط لتراه واقعا، أنا أتحدث عن ذلك الشئ الذي تعطيه كل شئ غير مكترث بنجاحه أو فشله، فسيرك في الطريق إليه هو الروعة التي تعيشها، هو الجمال، هو النجاح بنظرك، حتى وإن رأى الجميع غير ذلك ، حتى و إن رأى الجميع أن ماتفعله ضرب جنون، فيكفيك أنت من كل ذلك إيمانك.
يالروعة الحياة حينما تحيا و أنت تؤمن وتعيش لأجل حلمك، على يقين أنه قد يكون بعد الـ 99 فشلا نجاح، على يقين أنك قد تخسر الكثير جدا مؤقتا وربما أكثر من الكثير فقط لتفوز به، ابحث عن ذلك الشعور لتجد طعم الحياة بشرط أن يكن ذو فائدة وبلا ضرر.