حسن بن عويّش العمري
لم أره منذ ما يقارب العام حتى تفاجأت بخبر وفاته ، يوم الأحد الموافق 14 رمضان من عام 1440 هجري ، مع العلم بأن هاجس العلاقة بيني وبينه كانت تجعله يزورني في أحلامي وخاصة في أيامه الأخيرة ، وكم تمنيت أنني استجبت لنداءاته التي كان يرغب أن يراني فيها.
لم أكن أعلم الغيب ، ولَم أعلم بأن صديقي في أيامه الأخيرة ، حتى تفاجأت بخبر وفاته رحمه الله ، اتجهت من مقر إقامتي في المنطقة الشرقية إلى الرياض وصورته ومحادثاتي معه تتجول في خاطري طيلة الطريق ، ومن هول الصدمة قرأت في رسالة التبليغ عن وفاته رحمه الله بأنه سوف يصلى عليه بعد صلاة العصر ، ولَم أنتبه إلى أن المكتوب في الرسالة بعد صلاة العشاء إلا بعد دخولي لمقبرة النسيم بالرياض حيث سيوارى ، فاتصلت بابنه الأكبر سعد والذي كان السبب الرئيس في معرفتي به ، وأخبرني بأن الدفن سوف يكون بعد صلاة العشاء.
كانت سماء الرياض تغدق على أهلها بالمطر ، وكنت أتجول في شوارع الرياض وأنا أتجرع مرارة الفقد ، وأندب حظي الذي لم يمكنني من رؤيته قبل وفاته ، حقيقة لا أعلم كيف مرت الساعات والدقائق والثواني حتى حان موعد وصوله إلى المقبرة.
كنت من أول مستقبليه ، وطلبت من أبنائه السماح لي بالسلام عليه ، ولا أخفيكم بأنني أعاني من فوبيا الدخول إلى المقابر ، ولا أخفيكم بأنني لا أحبذ الاقتراب من الجنائز ، إلا أنني نسيت كل ذلك وحملته مع ابنائه إلى مثواه الأخير.
كانت معه خمس جنائز ، وتقدمنا أحد الفضلاء للصلاة عليهم ، رحمهم الله جميعاً ،
نقلناه إلى مثواه الأخير ، وقمنا بدفنه ، وطيلة ذلك الوقت كنت أتخيل صديقي وهو يبتسم ابتسامته الخفيفة والمريحة ويتكلم بطريقته التي فيها الكثير من قسوة السنين وتحمل المشاق وقوة الصبر على متاعب الحياة.
تمنيت أنني بكيت ولكن الدموع كانت تتحجر في عيني ، وكنت أقول في نفسي يجب أن أواسي أبناءه وأن لا أزيدهم حزناً على حزنهم ،* لا حظت أقاربه يواسونني لعلمهم بما بيني وبينه ، قال أحد أبنائه : نعزيك ونواسيك في صديقك ، ونسأل الله أن يجمعنا به وبوالديك في جنات عرضها السموات والأرض.
صرفت وجهي عنه ونثرت دمعاً سترته عن الناس بأطراف شماغي.
ذهبنا إلى منزل أكبر أبنائه حيث أقيم العزاء ، كنت معهم وكانوا أقاربه يواسونني على فراقه ، وقد أقيمت له مراسم عزاء مهولة ، حضر العزاء أصحاب السمو الملكي الأمراء والوزراء والوجهاء وأمم لا تُعد ، كنت أقول في نفسي رحمك الله يا أبا سعد طبت حيّاً وميتاً ، تكلم عنه الكثير ، واتفق الجميع بأنه رجل بألف رجل ، وبأنه ذاك الرجل العصامي الذي جعل البشر والحجر وجميع من يعرفه يبكي عليه ويذكره بأجمل مآثره ، ووجدت أناساً كثيرين لا أعرفهم ، ويتكلمون عن مقالي السابق الذي كتبته عنه.
غادرت الرياض وأنا في قلبي من الحزن ومن الذكريات التي بيني بينه ما الله به عليم ، كنت اقول لنفسي رحل أبا سعد ، ولكن الذكريات والدروس والعبر والوفاء الذي تعلمته منه لم ترحل ، كنت اقول لنفسي ان رحلت ابا سعد عنا فلم ترحل ذكرياتك ، فأنت موجود في قلوبنا بطيبك وكرمك وتلقائيتك وصبرك ، وبعد نظرك وعزاؤنا فيك وجود أوفياء مثل أبنائك وفِي مقدمتهم ابنك سعد حفظهم الله جميعاً من كل شر ،،