بقلم / عبدالرحمن العاطف
ذاك العلم حفلت سيرته العملية بالكثير من اللحظات العصيبة ، حينما خرج من بلدته باحثاً بهمة عالية عن الوظيفة وطلب العلم من بارق الصغيرة في ذاك الزمان ، إلى مدينة الرياض في الثمانينات الهجرية وهو لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره تقريباً ، وكيف كان يعمل معلماً لأبناء عدد من المواطنين هناك ليؤمن مصاريفه الشخصية دون الكماليات ، وطالباً يكمل تعليمه الأساسي بابتدائية دار العلوم بالرياض في العام 1386هـ ليتخرج منها ويلتحق بمتوسطة الظهران الليلية في العام 1391هـ ، توجها بتخرجه من الثانوية العامة مسار ( ليلي ) في العام 1397هـ ، ضارباً بذلك أروع الأمثلة في علو الهمة والجلد على النفس ثم أنخرط في السلك العسكري وتحقيق حلمه ( الجامعي ) يراوده ، حتى سنحت له الفرصة المناسبة ليجد له مقعداً في قسم الشريعة بعد أن تم رفض قبوله في تخصص الرياضيات ، ليتخرج منها ويلتحق بوزارة التعليم مودعاً ميادين الرماية والمعركة إلى ميادين العلم والمعرفة في العام 1405هـ .
بدأ معلماً ولحسن سمته ورصانته اختير قائداً لمدرسة الإدريسي بالمسلمة ، بعد ذلك قائداً لابتدائية المعتصم بآل عاصم وختم سيرته التربوية المشرفة بقيادته لثانوية بارق والتي تحول أسمها فيما بعد لثانوية اليمامة حالياً ، ثلاث وعشرين سنة هي المدة التي قضاها في صروح العلم أبكى فيها كل من رافقه وعمل تحت إدارته لاتقانه فنون القيادة والمعشر والمعاملة الحسنة التي لم يكن يتصنعها قط .
العم ( بن قدري ) كان رأس حربة للمطالبة بالعديد من المرافق الخدمية لمحافظة بارق ، بل أنه كان يتجشم عناء السفر والمشقة على تقدم العمر به ويمضي الأيام يتنقل من وزارة إلى أخرى ، حاملاً معه الأوراق والمستندات والمخاطبات لجلب أفرع للوزارات ، والجمعيات الأهلية دون ضجيج الفلاشات أو مردود مادي أو معنوي إلا من الله العلي القدير ، ثم محبة لمسقط رأسه ولقاطنيها وكان شغله الشاغل في حديثه دوماً هو ( مستشفى بارق ) وكيفية إقراره وأتذكر أنه زودني بالكثير من الأخبار المنشورة عنه في الصحف المحلية قديماً وحديثاً بعضها يعود إلى ما يقارب 25 عام مضت للاستشهاد بها حين كتابة التقرير والإشارة لها .
أما في الشأن التطوعي فقد كان ( بن قدري ) أبا وأخا للكثير من الأيتام والفقراء والمساكين خلال ترأسه مجلس إدارة جمعية البر الخيرية ، يحنو على الصغير ويوقر الكبير ويواسي المحتاج ، ويسعى حثيثاً للإصلاح بين الناس ما أستطاع طالباً الأجر من الله عز وجل .
ختاماً لا تزال صدى كلماته المؤثرة تدوي في الآفاق عن المنهاج والنظام التعليمي والمعلمين ، إذ كان يستشرف واقع التعليم ويراه بحنكة الخبير التربوي وما سيكون عليه وما هي الحلول الناجعة والجذرية لإصلاحه .
ومن مقولاته في لقاء تربوي معه رحمه الله قبل وفاته ” ارجوا أن يواكب تطور المناهج المعمول بها في النظام التعليمي أيضاً من يقومون بتدريسها ، وأود أن يستشعر التربويون بكافة أطيافهم حمل مهنة التعليم التي هي في الإساس شرف عظيم ويكفي أن المعلم الأول والمربي الفاضل هو سيدنا وحبيبنا محمد صل الله عليه وسلم قدوتنا في هذه المهنة النبيلة شرفاً ومنزلة .
رحم أبا عبدالله وغفر له وأسكنه فسيح جناته وأبدله داراً خيراً من داره وأهلا خيراً من أهله ، ولد يتيماً وعاش مكافحاً ورحل رمزاً مؤثراً .