منصور بن نايف الفريدي :كاتب ومحرر صحفي
وتأتي جائحة كورونا المستجد أو "كوفيد 19" - حمانا الله وإياكم منها - والتي نعيشها هذه الأيام، كأحد الأزمات المجتمعية التي طالت دول العالم أجمع، ووصلت ببعض الدول إلى مراحل حرجة قد تحتاج معها إلى وقت طويل للتعافي من آثارها، ويجدر هنا أن ننوه بالجهود المبذولة من قبل المملكة العربية السعودية بتوجيهات القيادة الرشيدة وتنفيذ الجهات ذات العلاقة، التي قدمت ولاتزال ما بوسعها للتصدي لهذه الجائحة، وفعلت العديد من الخطط الاستباقية والاحترازية والإجراءات الوقائية لحماية المجتمع وأفراده من أي آثار لهذه الجائحة سواء كانت اجتماعية أو نفسية أو صحية أو اقتصاديه.
والأزمة كما يعرفها قاموس الخدمة الاجتماعية والخدمات الاجتماعية بأنها "مجموعة من المفاهيم المرتبطة ببعضها تتعلق بردود أفعال الناس عندما يواجهون معاناة جديدة غير مألوفة، وهذه المعاناة ممكن أن تأتي من كارثة طبيعية أو فقدان شيء ذو أهمية أو تغير في الحالة الاجتماعية أو تغيرات في دورة الحياة"، ومن هذا التعريف الذي يشير إلى التغير في الحالة الاجتماعية نتيجة المعاناة الجديدة أو الغير مألوفة التي يواجهها الأفراد والمجتمع والمجتمعات، فإن جائحة كورونا المستجد تعتبر أزمة مجتمعية أحدثت تغيراً فعلياً في الحالة الاجتماعية والسلوكيات المجتمعية، نحتاج معها إلى توظيف الدور الفعّال والهام للممارسة العامة للخدمة الاجتماعية في تقليل ما قد ينتج عن هذه الجائحة من تأثيرات اجتماعية ونفسية وانفعالية على الأفراد والأسر والأطفال وكافة أنماط العلاقات الاجتماعية المختلفة، وذلك كون أن الممارسة العامة تهتم أصلاً بتلك العلاقات التي تنتج عن مشكلات التكيف في الأزمات وغيرها.
وتحدث الأزمة غالباً بشكل غير متوقع، كما أن من خصائصها التي يراها الأستاذ الدكتور عبد المنصف رشوان وزميله الأستاذ الدكتور محمد القرني من قسم الخدمة الاجتماعية في جامعة أم القرى، أنها "تمثل تحدياً للعادات والسلوكيات التي تعود عليها الشخص" ، فلم يكن من المتوقع أن الأساليب الحياتية والأنشطة اليومية والروتينية التي تعود عليها أفراد المجتمع في الظروف السابقة لجائحة كورونا ولفترة زمنية طويلة، تغيرت عليهم فجأة، وتبدلت الأمور خلال فترة زمنية بسيطة بالشكل الذي تطلبته ضرورة المرحلة الراهنة للأزمة التي طرأت بسبب هذه الجائحة، خاصة أن معظم أفراد المجتمع كانوا يؤدون وظائف وأدواراً اجتماعيةٍ هامة ومتنوعة من خلال تلك الأساليب والأنشطة وسط مرحلة ذات مستوى عال من التوازن والتكيّف والاستقرار، وبعد أن كانت تلك الوظائف الاجتماعية والأدوار فعالة في تحقيق أهداف الفرد وأهداف التنمية المجتمعية للمجتمع الذي ينتمي إليه، أصبح الفرد في موقف الأزمة هذا، محدود الحرية في التفاعلات الاجتماعية، نتيجة لما فرض من إجراءات احترازية ووقائية، ونذكر منها على سبيل المثال فرض حظر التجول الكلي أو الجزئي والتباعد الاجتماعي أو المكاني مما أدى إلى شعور البعض بالقلق والتوتر والخوف والتوجس من قلة التضامن الاجتماعي والتفاعلات الاجتماعية التي جاءت نتيجة هذا التغيير الطارئ والمتسارع في المعايير الاجتماعية.
ويتباين الأفراد في تصرفاتهم وردود أفعالهم عند تعرضهم لأزمات، حيث يؤكد في هذا الصدد الدكتور حسين بخيت من المركز الجامعي لخدمة المجتمع وتطوير التعليم في جامعة الإمام محمد بن سعود "أن الأفراد يختلفون في مدى تحملهم للأزمات والصدمات التي يتعرضون لها، كذلك يختلفون في مدى إدراكهم للمواقف الضاغطة، في حين نجد البعض الآخر يفقد توازنه في مواجهة تلك المواقف الضاغطة، وهذا يتوقف على طبيعة الموقف الضاغط وطبيعة الشخصية الإنسانية" مؤكداً أن "الأزمات والكوارث التي تواجه الإنسان لها آثارها السلبية على الجوانب النفسية والاجتماعية والوجدانية والخلقية والمعرفية وهذا يؤدي بلا ريب على مستوى كفاءته في جميع الأعمال التي يقوم بها".
ويعتبر مدخل الأزمة في الممارسة العامة للخدمة الاجتماعية أحد الاتجاهات الحديثة المعاصرة والأساليب العلاجية المستحدثة للتدخل التدخل المهني في الأزمات وفي مثل ظروف هذه الجائحة، ويمكن للأخصائيين الاجتماعيين توظيفه كأسلوب من أساليب المساعدة المهنية للأفراد الواقعين تحت تأثير هذه الأزمة وما تتطلبه ظروف الوضع الراهن للجائحة، كما ويمكن توظيفه كنموذج تدخل مهني مناسب مع من دخلوا في مرحلة من فقدان الاستقرار النفسي والتوازن الاجتماعي بسبب هذه الجائحة حتى لا يفشلوا في تأدية الدور الاجتماعي لهم، ومساعدتهم على التكيف من جديد وإعادة أي توزان اجتماعي مفقود لديهم، مع العمل على حل المشاكل التي تحول بينهم وبين تأدية أدوارهم ووظائفهم الاجتماعية؛ وتقليل ما ينتج عنها من مشكلات أو تأثيرات انفعالية ونفسية تؤثر على أنماط العلاقات الاجتماعية المختلفة لهم.