أ د. صالح بن سبعان
وواقعة توحيد المملكة وتأسيس دولتها نفسها لمن يقرأها بشكل دقيق تؤكد بأن مشروع الملك عبد العزيز لم يكن "تجديد"ا بقدر ما كان "تجاوزا" تاريخيا "للواقع" القائم ، قام فيه بعملية تغيير شاملة وعميقة لما كانت أوضاع شبه الجزيرة العربية ، ومؤسسا على أنقاض ذلك الواقع ، واقعا جديدا ، أكثر عقلانية ، رغم ما كلفه ذلك من تضحيات هو والذين آمنوا معه بحلم التوحيد ، لأنه لو كان مجددا ، أو مجرد مرمم لبناء لاكتفى باستعادة إمارة أجداده في الرياض ، و التي تحققت عام (1902) ، وأراح نفسه .لقد استطاع أن "يتجاوز" بثاقب بصيرته التناقضات القبلية الثانوية المزيفة في الواقع السياسي والاجتماعي في شبه جزيرة العرب ، والذي يكرس الفرقة والتشتت ويغذي الصراعات والحروب بين كيانات متشرذمة ، لقد تجاوزت بصيرته واقع التشرذم ، رافضا اعتباره أمر واقعي وعقلاني ومنطقي ينبغي التسليم به ، لأنه كان يرى حقيقة وحدة هذه الكيانات الغائبة .كانت "الوحدة" هي "الحلم"... وكان "التشرذم" هو الواقع . فآمن الرجل التاريخي بالحلم وانحاز إليه ، وعمل جاهدا على تحقيقه ليكون هو "الواقع البديل"، حتى تحقق له ذلك .هذا ما أورثنا إياه الملك المؤسس العظيم ،الذي خاض مع فئة قليلة من الرجال ملحمة تأسيس هذا الوطن ،على
المرتكزات التاريخية والفكرية ا، هذا ما ورثناه من الملك الذي أسس لنا هذا الكيان الذي نفاخر به الأمم في عالمنا المعاصر ، وما ورثناه من ثلة الرجال الذين آمنوا بحلمه وخاضوا معه معركة تحقيقه ، من قيم وموجهات ، ورثنا منهم أن نبني (فوق) ما بنى أسلافنا ، ونفعل فوق ما فعلوا ، وأن ليس قصارى الوفاء لهم أن نحافظ على ما شيدوا فقط ، وهذا واجب ، بل أن نعلي من البنيان الذي شيدوا ، بمعنى أن نطوره وننميه ونزيده قوة ومنعة .