تركي البدرلني
ليس حقيقةً أنّ مَن يمنح الشيء مكتفياً منه، أو ممتلئاً به، فبائع القهوة -مثلاً- ليس بالضرورة أنه مُحبٌ لها رُبما يفضّل الشايّ، وبائع الورد رُبما لم يُقدّم له يوماً ما وردةً قطٍّ ، وذاك الطبيب المُداوي لِجراحنا رُبما لديه ألمٌ يشكو منه، إنها هي الحياة؛ العطاء فيها لا يعني الاكتفاء، والارتباط بالأشياء لا يعني عشقها، أو الميول لها، فللظروف حُكمها الذي ينقاد المرء طواعيةً له، والتعايش معه من أجل لقمة عيشٍ أو حفظ ودّ، وباعتقادي أنه ليس على الإطلاق أنّ فاقد الشيء لا يُعطيه، فقد تجدُ كثيراً مِن المُتصدّقينَ بالمال هم بالأصل فقراء له، وقد تجدُ من صانعي السعادةَ ذوي حظٍ تعيسٍ .
إذا كنت تنتظر أن تمتلك حتى تُعطي فلن تُعطي، ورُبّما لن تمتلك، إن العطاء مع الفقد ينزلُ مِنزلة العفو مع المقدرة، فتكْمُن لذّته في صعوبته، أولئك الذين يُعطون مِن اِكتفاء؛ لا تمتزج لديهم مشاعر غصّة الحاجة بحلاوةِ الإيثار عند العطاء، وفي المُقابل هم لا يتذوّقون لذّة العوَض حين يأتي.
وعطفاً على ذلك يُعدّ التعايش مع نقائض الرغبات نوعٌ عظيمٌ من أنواع العطاء، كيف لا وأنت تعطي من أعظم ما تملك -وقتك ومشاعرك ومالك- حيثُ تتعايش مع ما لا تريد بأيّ شكلٍ من الأشكال وذلك من أجل الآخرين، أو حتى على الأقلّ من أجل بناء ذاتك .
وإنني أدعوك في مقالي هذا؛ أن تمنح نفسك مساحةً واسعةً للتعايش والتأقلم مع مُعطيات الحياة بما يتوافق مع ظروفك، وأن تمنح قدراتك التحفيز الأقوى، وتُطلق لها العنان؛ لتأخذ من الحياة ما يجعلك راضٍ عنها؛ في حينما يجب أن تُعطي دون تأفّف، بعيدًا عن القلق بشأن المستقبل، وأن لا تعتقد أنه بالضرورة؛ أن يكون العطاء من صُلب الاكتفاء، ومدَّ في بصيرتك إلى ما خلف الكواليس؛ فليس كلّ سعيدٍ بعمله ومعطاء له؛ هو راضٍ عنه، ثمّة فئةٍ في المجتمع تُعطي ليس لأنها تُريد، فباب النّجار مخلوع ياسيدي، لكن النّجار يأتي ليُصلح بابك .
حفظ الله اياديكم البيضاء من كل سوء...مقال رائع
أهنؤك أ.تركي البدراني على تطويعك للحرف ليصل إلى العمق.. عمق القلب والفكر.
نحتاج لمثل هذه القناعات، ونحتاج لمن يدكرنا بها بين فترة وأخرى.
شكرا أستاذنا الكريم على هذا العطاء الذي أسأل الله أن يجعله في ميزان حسناتك.
تحياتي؛ أسماء أفضل.