أ د صالح بن سبعان
وإذا كانت المواثيق الدولية حول هذا الأمر قديمة ، إلا أنها استغلت سياسياً ــ وإن لم تفعَّل ـــ أبان سنوات الحرب الباردة ، خاصة من قبل النظام الليبرالي الرأسمالي الذي تولت قيادته أمريكا بعد الحرب العالمية.
وكان المعسكر الرأسمالي يوظفها كدعاية ضد خصومه الاشتراكيون في الإتحاد السوفيتي والصين ودول أوربا الشرقية.
وبسقوط الإمبراطورية الحمراء وانفراط عقد حلفائها الشرقيون، بل وانضمامهم إلى منظومة الكتلة الرأسمالية ، أُستغل مبدأ حقوق الإنسان ، كسلاح سياسي ضد الإسلام والمسلمين ، وكأداة ضغط سياسية واقتصادية لإخضاع الدول والمجتمعات العربية والإسلامية.
إلا أن المتأمل لتاريخية فكرة ومبدأ حقوق الإنسان سيلاحظ شيئاً غريباً ، ألا وهو عراقته وقدمه في العقيدة الإسلامية، وفي الممارسات السياسية والاجتماعية في الدول والمجتمعات الإسلامية، في حين أنه كان غائباً أو مغيباً في الدول والمجتمعات الغربية، بل كان السائد في ممارساتها وفي ثقافاتها ما هو مضاد ونقيض لهذا المبدأ ونافياً له تماماً.
وقد ترسخت لديَّ قناعة بأننا يجب أن نؤكد هذه الحقيقة وبشكل علمي، وذلك أولاً إحقاقاً للحق ، وحتى ندفع ـــ ثانياً ـــ عن الإسلام ما يحاول أعداؤه إلصاقه به من ادعاءات وافتراءات كاذبة.
إلا أن المشكلة التي ظلت تواجهنا دائماً هي هذا الشعور بالعجز والدونية تجاه الغرب على كل الأصعدة والمستويات ، إلى درجة أننا ظللنا نتعامل مع المفاهيم والمصطلحات ، والمبادئ الغربية بالتالي، بتسليم يقيني لا يحتمل الجدل والنقاش.
وأخذنا نردد وراءهم المصطلحات السياسية والثقافية والاقتصادية بصورة ببغائية غبية وكأنها منزلات من السماء لا نملك غير حفظها وإتباعها بسلبية مفجعة ، دون أن نحاول تفحصها ومعاينة مضامينها ودلالاتها.
وآخر " موضة " الآن أننا أصبحنا نلوك مفهومي الديمقراطية وحقوق الإنسان كعلكة ماسخة وبلا وعي منّا. والحال أننا صرنا نتخبط في سياساتنا كافة: الاقتصادية والثقافية والاجتماعية ، بل ما هو أدهى وأمر إن هذا التخبط طال بتداعياته السلبية، إستراتيجيات سياساتنا الداخلية والخارجية ، ( هذا إذا كان يوجد أصلاً مثل هذه الإستراتيجيات).
ومن هنا يوضح عمق الاختلاف في نشأة مفهوم حقوق الإنسان بين التجربتين ، الإسلامية والغربية . إذا نشأ هذا المفهوم بصورة " قبلية " سابقة على نشوء "الأمة الإسلامية"، متنزلا بصورة مكتملة في القرآن والسنة. بينما ولد في الغرب بعد مخاض أليم عبر تجربة مريرة خاضتها المجتمعات الغربية للتوصل إلى هذا المبدأ وتقنيته.
أما الزاوية الأخرى ـــــ وتشمل كل المقالات وورقة " حقوق الأسرى " في الكتاب ـــ فتكاد أن تكون ــــ أو هي بالفعل ــــ عبارة عن تطبيقات على ضوء ، أو في ميزان المرتكز النظري الأول الذي أوضحته الورقة الأولى ، وذلك بتطبيق أو إخضاع ممارسات معروفة ومشهودة تمت وتتم يومياً منذ أحداث 11 سبتمبر 1981م في الغرب بشكل عام وفي أمريكا بوجه خاص ، تكشف، ــــ تفضح ــــ ،أو تعري حقيقة مفهوم حقوق الإنسان ، ليس في الفكر الأورو / أمريكي فحسب بل وفي الأنماط السلوكية التي تتناقض بشكل جذري مع المفهوم الإسلامي والإنساني الفطري .
فتحت غطاء الحرب على " الإرهاب " انزلقت الولايات المتحدة وحلفائها الغربيون إلى أفدح وأحط إنتهاكات حقوق الإنسان ، سواء داخل أمريكا بالذات أو خارجها في الدول التي إحتلتها ، مستخدمة في إحتلالها أفتك أنواع الأسلحة بصورة بربرية ووحشية تتعافى عن الوقوع فيها أكثر الجماعات المتوحشة والبربرية المتخلفة.
وبعد:ـ
إننا يجب أن نتعامل بحذر مع مثل هذه المفاهيم التي تبدو كما لو كانت بريئة، وتعبر عن قيم نبيلة يعتز بها كل إنسان ويسعى للتحلي بها ، وأن نبحث عن دلالاتها ومضامينها غير المعلنة ، والأهداف التي صيغت من أجلها ، والكيفية التي توظف بها ، والآليات المتبعة لغرسها ، أو فرضها علينا فكرا وسلوكا . وأن ندع هذا الركض اللاهث وراء الآخرين حتى إذا دخلوا جحر ضب اتبعناهم كما حذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث صريح وصحيح.
والله من وراء القصد