أ د صالح بن سبعان
أفهم ويفهم غيري أيضا أن صحافتنا اكتسبت هذا التوجه أو هذا النهج من سنوات ما تسميه بعض الدوائر بالطفرة، وأسميها (الوفرة)، حيث غطت الدخول المرتفعة سواء للدولة أو المواطنين، على كثير من السلبيات التي كانت تنتشر بحرية تامة تحت هذا السطح البراق من الأموال وحركة التعمير والتنمية الاقتصادية المذهلة. فقد كان كل شيء يبدو تماما، والأوضاع لا تدعو فقط إلى التفاؤل بل وتدعو إلى الانتشاء.
وبدلا من أن تصبح الصحافة مرآة لواقع المواطنين اليومي، لتعكس الجوانب الخفية للمسؤولين لكي يعالجوا السلبيات أولا بأول أصبحت الصحافة مرآة للمسؤول يرى من خلالها نفسه كما يحب أن يراها، وكما يحب لولاة الأمر وللمواطنين أن يروها. ونتيجة لهذا النهج ترسخت العديد من التقاليد. إذا انعدمت روح المبادرة التي أشرنا إليها سابقا وأصبحت الصحف تعتمد على المصادر الرسمية في أخبارها وتقاريرها وتحقيقاتها، وبالطبع يمكنك أن تستثني صحيفة أو صحيفتين، استطاعتا أن تتميزا بطرح خاص بهما.
عدم تنوع المصادر، وعدم الكد والاجتهاد بحثا عن المعلومة الحقيقية جعل الصحف أو الكثير منها تبدو كما لو كانت فروعا لأقسام العلاقات العامة بكثير من الوزارات، وذلك عن طريقين:
إبراز شهادات الوزراء والمسؤولين عن إنجازاتهم في القطاع الذي يديرونه، والحديث الدائم عن هذه الإنجازات والاكتفاء بهذه الشهادات المجروحة، أدى إلى تزييف الحقائق في كثير من الحالات، والذي يكشفه الواقع.
أما الطريق الثاني فيظهر واضحا حين تنشر إحدى الصحف معاناة مواطن أيا كان نوعها ومستواها ، أو حين تعكس الصحيفة، أحد محرريها أو كتابها أو قرائها، وجها من أوجه القصور أو السلبيات لتفاجأ في اليوم الثاني بمقال من مكتب المسؤول ينفي ما ذكرته الصحيفة، وغالبا ما يذيل المسؤول بيانه بنصيحة بأن تتحرى الصحيفة المعلومة من مصادرها، ويفترض أن المصدر الوحيد للمعلومة هو المسؤول نفسه.
وهذا ببساطة يعني إلغاء (الواقع) الذي يعايشه الناس والاكتفاء بالواقع الافتراضي والموجود فقط في ملفات المسؤول. !