أ د صالح بن سبعان
ألظُّلم هو الذي يفرخ كافة الظواهر السياسية والاجتماعية السلبية .. وليس الفقر وحده.
صحيح أنّ الفقر قد يدفع بالرجل إلى السرقة والنهب المسلَّح، وقد يدفع بالمرأة - غير الحرة - إلى الرذيلة، لأنّ رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم قال (تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها).
كما أنّ الظُّلم يدفع بالمظلوم إلى ظلام الإرهاب وطريقه المسدود.
ولكنّه الظُّلم في كلِّ الأحوال يعبِّر عن نفسه بمختلف الوسائل ويتلبَّس آلاف الأقنعة. وعكسه العدل: يضع الناس في الطريق المستقيم، ويحول دون الثورات والإرهاب. وإذا كان رئيس الوزراء البريطاني توني بلير قال بعد تفجيرات لندن الأخيرة إنّ الإجراءات الأمنية وحدها لا تكفي لاستئصال الإرهاب - وهو محق في ذلك - وأنّنا يجب أن نبحث عن أسبابه ودوافعه. إلاّ أنّه لم يُشر إلى ثنائية: الظُّلم والعدل، والعلاقة الجدليَّة بينهما. وإلاّ فكيف يسمح بتدمير العراق بشبهة امتلاكه أسلحة دمار شامل، وتمنع إيران من تخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية، بينما يسمح لإسرائيل أن تكون ثالث أكبر دولة نووية على مستوى العالم؟!
ومن منظور هذه الثنائية دعنا نعيد النظر في قرار دول الثماني "قبل سنوات " والخاص بضخ (50) مليار دولار لمساعدة الدول النامية لمحاربة الفقر الذي استشرى في مجتمعاتها درجة الجوع المميت في كثير منها.
ولكنّه الفساد المشكلة لا يسمح لنفسه عاقل بأن ينبش في ضمائر ونوايا القادة الثمانية ليعرف ما الذي دفعهم لهذا القرار، لكنه يستطيع أن يؤكِّد بأنّه قرار يصب في مصلحة العدل ورفع الظُّلم الذي وقع على الدول ومجتمعاتها الفقيرة ومجتمعاتها الجائعة، وهو قرار لا يسع المرء إلاّ أن يشيد به.
ولا نسأل إن كان هذا اعتذاراً من الدول الصناعية الكبرى، أم هي فاتورة مبدئيَّة لتهيئة الدول الفقيرة لتسوِّق الدول الكبرى منتجاتها في تلك الدول، فهذا يدخل في باب الرجم بالغيب!.
ولكنه في كلِّ الأحوال سيؤدي إلى رفع الظُّلم عن هذه الدول والمجتمعات.
إلاّ أنّ السؤال الذي لا حرج من طرحه هو: إلى أيِّ مدى هذا القرار مجدٍ؟
كلُّنا نعلم حجم الفساد المستشري في أوساط النُّخب الحاكمة في الدول الفقيرة وبين المسئولين فيها، ويطرح البعض، حتى في منظمة أوكسفام التي تراقب وصول المساعدات إلى مستحقيها، لا ينحرجون من إبداء مخاوفهم من أن تذهب هذه المساعدات إلى جيوب الحكام ومن يحيط بهم من المسؤولين.
فكيف يتم منع ذلك .. هنا تكمن المعضلة.
وهذا الحل الجذري إذا وُظِّفت هذه الأمول بالشكل الصحيح فإنّها ولا شك ستساهم في حلِّ الكثير من المشكلات، وبالطَّبع لن تحلّها كلّها لترتقي بهذه الدول والمجتمعات إلى مصاف الدول الغنية.
أعتقد أنّ الحل يكمن، إلى جانب إشراف الدول المانحة، والمنظمات المراقبة، سوى الدولية أو المدنيّة مثل أوكسفام، فإنّ الشق الآخر، وهو الأهم من وجهة نظري، هو أن تستثمر، أو توسِّع الدول الصناعية الكبرى في حجم استثماراتها الصناعية والزراعية والخدمية في هذه الدول، لأنّ ذلك سيرتقي بهذه المجتمعات من حيث تحديث وسائلها الإنتاجية، وسيمتصّ العطالة فيها، ويفعِّل مواردها البشرية وقواها العاملة، ويرتقي بالمستويات التقنية لهذه القوى العاملة.
هذا هو الطريق الأسلم لإحداث نهضة تنموية حقيقية في هذه الدول والمجتمعات، لأنّه يراهن على المستقبل لا على المسكِّنات المؤقَّتة والآنيَّة.