يخرج الصبي «كوجر» الذي لم يتجاوز العاشرة من عمره، مع بزوغ الشمس، من منزل أسرته المتواضع ميمما وجهه شطر منطقة البلد وسط جدة، ليمارس أعمالا شاقة، يجمع منها حفنة المال، ليساعد والديه مخالفي أنظمة العمل والإقامة في إعالة اسرتهم الكبيرة.
ويعمل «كوجر» في التحميل ونقل البضائع للزبائن خصوصا السيدات من المتاجر المنتشرة في جدة التاريخية، إلى سياراتهم، ويتقاضى لقاء عمله ذلك، مبلغا يتراوح من ريال إلى خمسة ريالات وفقا لكرم من استعان به.
ويتألم «كوجر» وهو يرى أقرانه يتوجهون لمدارسهم، بينما هو يمارس أعمالا شاقة، سلبت منه طفولته، وجعلتهم يتحمل المسؤولية باكرا، إذ يلزمه والداه بمزاولة تلك الأعمال حتى يوفر لهما بعض المال، وفي حال عاد إليهم بخفي حنين، فالعقاب سيكون مصيره، لذا يجتهد الصغير على الإقبال على أي عمل.
وذكر كوجر أن يثقف ويعلم نفسه ذاتيا من خلال الاحتكاك بالكبار، لافتا إلى انه لا يستطيع الذهاب إلى المدرسة لوضعهم المخالف في البلاد، ملمحا إلى أنهم يتحدثون لغتهم الام، إضافة إلى تعلم الانجليزي بجهود ذاتيه، من خلال التردد على معلم من الجنسية ذاتها، في حين يتقنون العربية من خلال معايشتهم للمجتمع في جدة.
ويمثل «كوجر» شريحة كبيرة تنتشر في شوارع جدة، لم تستمتع بطفولتها، بل اندفعت في سوق العمل بكل قسوته، بحثا عن العمل، وغالبيتهم من مخالفي أنظمة العمل والإقامة، يمارسون بيع سلع بسيطة مثل الماء والعلك، أو مسح زجاج المركبات الواقفة بانتظار الإشارة الضوئية، ومنهم من يزاول أعمالا شاق مثل كوجر وإذا وجدوا الفرصة ينخرطون في التسول.
ويعيش أولئك الأطفال حياة قاسية بفعل عدم نظامية إقامتهم في البلد، فهم محرومون من التعليم ويتلقون العلاج من بعض المستوصفات المدعومة من الجمعيات الخيرية، لذا تنتشر الأمراض بينهم.
فالطفل أمين، يعاني المشكلة ذاتها التي يشكو منه رفيقه «كوجر»، فوالداه يلزمانه بالعمل من أجل توفير بعض المال لهم، فيضطر يخرج باكرا إلى سوق الخضار القريبة من منطقة البلد، لنقل البضائع للزبائن إلى مركباتهم مقابل بعض المال، أو يستعينون به في بعض المهام، مثل غسل السيارة.
ويتمنى أمين أن يعيش هادئة بالأطفال ينهل من العلم في المدرسة، ويزاول اللعب بعيدا عن الهموم التي القت على كاهلة على الرغم من أنه لا يزال صغيرا.
وفي السياق، يلجأ عدد مما يعرفون بأطفال الشوارع في حال تجمعهم، إلى ارتكاب بعض التجاوزات مثل السرقة لتوفير المال، إذا لم يعثروا على العمل، فينسقون فيما بينهم، للسرقة من المتاجر، عبر دخولهم بطرق منظهم، فيحرص بعضهم على إشغال العامل، ويتفرغ آخرون للسرقة، وكثيرا ما ضبطت الأجهزة الأمنية تلك التجاوزات، ما دفع المحال إلى الاستعانة بحراس أمن.
في المقابل، حذر الاختصاصي الاجتماعي سالم اليوسف من انتشار أطفال الشوارع على أي مجتمع، معتبرا كل طفل شارع مشروع مجرم، ما لم يتدارك وضعه.
وذكر اليوسف أن غالبية الخارجين عن الأنظمة، خرجوا من الشارع ولم يجدوا من يرشدهم ويوعيهم إلى الطريق الصحيح، لافتا إلى الحرمان يولد لديهم نقمة على كل ما يحيط بهم.