من أكثر ما شد فضول الرحالة الغربيين الذين جابوا البلاد العربية هي تلك العلاقة الحميمة بين العرب وحيواناتهم خصوصا الجمال التي يعدونها هبة الصحراء النادرة التي منحها الرب للعرب ومن هؤلاء الرحالة الفرنسي تاميزييه الذي توسع كثيرا في وصف هذه العلاقة قبل نحو 180 عاما في كتابه رحلة في بلاد العرب حتى عده أي الجمل الأب الثاني لمجموعة عريضة من الأسر العربية التي شكل لها الدعامة الرئيسية للعيش والبقاء داخل هذه البقعة النائية وفي سعة من الرزق وهو ما جعل العربي الوفي بطبعه يحفظ هذا الجميل لرفيق دربه حتى صار يعامله على انه كائن آخر مختلف عن بقية الحيوانات الأخرى بل وتعامل معه وكأنه ينتمي لكيان عائلته. وكان من ضمن ما قاله عن هذه العلاقة (محاكاة) أقرب إلى السرد الأدبي ليس بالضرورة أن نوافقه على كل ما ورد بها ولكن على الأقل حتى نتعرف على طريقة هؤلاء الرحالة للكثير من الصور والأحداث التي نقلت عنا بصيغة المبالغة وأحيانا التشويه وروجت لها دراساتهم وبحوثهم سواء كانت بقصد أو بغير قصد على أنها حقائق ومن أجل ذلك اخترنا هذه اليومية (الكركتر) والتي يقول فيها:
- إضافة إلى ذلك فإن العربي الوفي الذي يحفظ الجميل لا يعامل الجمل على أنه شيء من فصيلة الحيوانات يمكن استخدامه أو إساءة معاملته حسبما يكون الحال , بل ينظر إليه بدلا من ذلك نظرة صديق حميم وكأحد الذين بمقدوره احترامهم لدرجة اتخاذ الترتيبات اللازمة لقيامه بمشاركته في بعض الحقوق التي فرضت على كل المؤمنين الصادقين في عقيدتهم . وبهذه المناسبة سأقوم بتحديد إحدى الممارسات المتصلة بعملية الاتصال الجنسي بين زوج من الذكور والإناث نعلم أن المسلمين يظنون أنهم قد اتسخوا بالجنابة عند ممارستهم لهذا النوع من الاتصال إلى أن يتطهروا من ذلك بالاغتسال الكامل. لا بأس فبعض العرب يعتقدون كذلك بأنهم قد قصروا في واجباتهم الدينية عند ما يهملون في أية ظروف مماثلة : سكب الماء أو التراب على الأعضاء التناسلية لجمالهم . بل إن هناك بعضا منهم يتمادون في الذهاب بعيدا في هذه الممارسة الشاذة والغريبة عن طريق تغطية تلك الأعضاء التناسلية لهذه الحيوانات تماما بمنشفة ضخمة خلال ممارسة عملية الاتصال هذه . وسيكون بمقدور المسافرين أو الرحالة الذين وصلوا حتى مصر فقط أن يشهدوا ما يؤكد حدوث هذه الممارسة.
يقوم الأعرابي بمشاركة جمله أفراحه وأتراحه ويقوم خلال السفر وبغرض تخفيف متاعبه , بتذكيره ومواساته عند ما يسرد له أجمل لحظات شبابه أو غيرها من الروايات التي نقلت له عن أجداده.
ويقوم الجمل بمواصلة سيره قدما للعديد من الأميال وفي حركة بطيئة ومحسوبة . وهو يستمع بكل سرور وانتباه إلى هذه الحكايات التي يرويها صاحبه عن ذكرياته, وفي الحالات التي يكون صاحبه مليئا بالإعجاب بشجاعته: يتحدث له عن أسلافه وعن أسرته التي انحدر منها, وهو يركز في هذه الأثناء على أن الأصول التي ينحدر منها تعد واحدة من تلك المشهورة بالأسفار الطويلة للغاية, ثم يدعو له بطول العمر إضافة إلى كثر الذرية!!
يتحدث إليه البدوي من خلال هذه السطور قائلا : لقد كان أسلافك دوما في .. وفي كل الأزمان من عمالي الذين يعتمد عليهم , وإنه ليجدر بك أن تعلم أن أحدهم قد قام بنقلنا أحيانا من بلد لآخر دون أن يراوده أي إحساس بالأسى على نفسه, وإنني اعتقد أنك جدير بأن تكون مثلهم وانك ستكون أهلا للسير على خطاهم والمحافظة على سمعتهم الطويلة والطيبة , وعليه وإمعانا في إقناعك برضائي الكامل , فإنني اقسم لك بأننا سنظل صديقين حميمين إلى الأبد , وإنني الآن على وشك أن اسرد لك القصة المتعلقة بالانجازات والأمجاد الخاصة بأسرتي شخصيا, والشهرة الطيبة والواسعة التي تتحلى بها قبيلتي , وبعد أن ركب بارتياح على ظهر حيوانه النبيل بدأ في سرد تلك الرواية الطويلة والمتنوعة التي تخللتها تلك الاستعارات المدهشة التي اشتهر خيال الأشخاص الشرقيين بالإسراف المفرط في حبكها وصنعها. وعند ما انتهت كل هذه القصة المعبرة قام بتمني وعرض المزيد من الوعود المغرية عليه مستقبلا , وقدم له نكهة من التبغ المنبعث من غليونه عن طريق جعل بعض نفثات الدخان تمر قريبا وباتجاه أنفه . وأكد له بعد ذلك مطمئنا إياه بأنه سوف يعده الأول في مكانته من بين كل جماله, وانه سوف يجد فيه الرفيق الذي لن يغفل أو يتجاهل أبدا أي شيء يمكن أن يؤكد له رضاه عنه وارتياحه إليه .