الدكتور أحمد قاسم الغامدي، مستشار وباحث شرعي بمركز علوم القرآن والسنة حاليا، ورئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة مكة المكرمة سابقا، أقام الدنيا ولم يقعدها عندما جاهر وأبدى وجهات نظر مخالفة في كثير من الأمور الفقهية والتعبدية، كالاختلاط وحكم صلاة الجماعة والغناء وغيرها من
منظور إسلامي واستدلاله بأدلة من الكتاب والسنة داعمة لآرائه، وناسفة للأقوال التي كانت سائدة إلى وقت قريب، ومازالت فئات من الناس في المجتمع متمسكة بها. وفي هذا اللقاء يخوض الشيخ الغامدي في حوار خاص مع الزميلة «الشرق» بكثير من القضايا الفقهية والجدلية، مؤكداً أنه يجوز للمرأة أن تتولى الإفتاء، وأن من أخطاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضعف المواد والأنظمة التي تعمل بموجبها التي تبرز اهتمام الشريعة بحقوق الإنسان عموماً والمرأة والطفل والضعيف خصوصاً، وحقوق المواطن والمقيم المخالف وحقوق المعاهدين والذميين والديبلوماسيين حال مخالفتهم، وفيما يلي نص الحوار:
ما هو مؤهلك العلمي وما هو قدر تفقهك في الدين؟
- حصلت على الدكتوراة في الإدارة العامة، وفي العلوم الشرعية، كما أنني حاصل على أعلى الإجازات الحديثية والعلمية من كبار علماء الحديث والقرآن والتفسير وعلوم اللغة بعناية تامة ابتداء بالمختصرات حفظا ودراسة، ثم الكتب المتوسطة ثم المهم من المطولات. كما درست الكتب الستة على جماعة من المحدثين المعروفين، ودرست أصول الفقه على جماعة من الأصوليين والعقيدة والقرآن والتجويد والتفسير والنحو والصرف والبلاغة والاشتقاق والمنطق والفلك، وقد درست ذلك بشغف وتكرار طيلة ستة عشر عاما. وقد ذكرت العلماء الذين قرأت عليهم ومن أجازني في سيرتي الذاتية وكل ما درسته أدرسه حاليا وما أزال منذ قرابة خمسة عشر عاما ولله الحمد.
هل ترى أنك قد تكون على بيِّنة غابت عن علماء عصرك؟
- الحجج والبيِّنات موجودة في كتاب الله وسُنَّة رسوله ومتاحة للمشتغلين بالبحث الشرعي، ولا ينبغي التقصير في الوصول إليها وجمعها فيما يراد الحديث عنه من مسائل الدين، والتقصير في ذلك مذموم لما في ذلك من ضعف القيام بالاجتهاد الواجب في استقصاء وجمع الأدلة المتعلقة بالمسألة المتحدث عنها، ولما فيه من تعجل بالقول في الدين دون تحقيق واجتهاد، ومقتضى الاجتهاد في الدين استيفاء البحث والجمع والدراسة والتحقيق لكل ما هو متوفر للوصول للحق مع التضرع لله بالفهم والهداية لما اختلف فيه من الحق لدرجة الاطمئنان إليه.
وإجابة عن سؤالك، نعم قد تغيب الحجة عن المجتهد لعدم توفرها في المراجع المتاحة لديه، ويعذر حينها، لكنه لا يعذر مع توفرها. وهذا موضوع غير موضوع الاختلاف الواقع في ثبوت الأدلة المستدل بها أو في فهمها والاستنباط منها فهو موضوع آخر.
ما هي المراجع التي استندت عليها في الاستدلال على مواقفك في المسائل التي طرحتها؟
- ما استدليت به في المسائل التي طرحت فيما مضى موجود في دواوين الإسلام، وكله صحيح ولله الحمد، وقد بذلت غاية الوسع في استيفاء نصوصه وتحقيق الصحيح منها وجمعها وفهمها والتوفيق من الله، ولا شك في أن بعض أهل العلم وطلابه درج على نشر القول السائد تراخيا عن الاجتهاد المطلوب في تحقيق الصواب في الدين إما لحسن الظن بصحة السائد، وإما لعدم معرفة الخلاف بين الفقهاء فيه. وبعضهم سيطر عليه التعصب للفتوى المشتهرة لبعض العلماء، وآخرون فضَّل ألاَّ يبين قناعته بالحق لئلا يصطدم بما اعتاد المجتمع على سماعه أو خوفا من أن يتعرض لهجوم المتعصبين فيتضرر بذلك.
ما موقفك من الغناء، وهل هو مُحرَّم، وما مدى حرمته؟
- الغناء بالشعر وإنشاده من غير المعازف جائز باتفاق أهل العلم، مالم يكن فيه كلام محرم، فالشعر كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح، وقد ذكر-عليه السلام- شعر لبيد فقال أصدق كلمة قالها لبيد: (ألا كل شيء ما خلا الله باطل). ورد على الجارية وهي تغني وتقول (وجه خائب الأمل وفينا رسول الله يعلم ما في غد)، فرد ذلك.
أما حكم المعازف وألحانها، ففيما سوى الدف خلاف، والراجح إباحتها وقد أباحها كثير من العلماء ونقل جوازها عن عدد من الصحابة ومنعها بعض متأخري الفقهاء اعتماداً على ما أخرجه البخاري تعليقا: ( ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الْحِرَ والحرير والخمر والمعازف الحديث)، وهو حديث ضعيف بينت ما في متنه وسنده من خلل في بحث مستقل، والبخاري حين أخرجه كان يشير به إلى الروايات الواردة في شرب قوم من أمته -عليه السلام- الخمر وتسميتها بغير اسمها، وقد ضم المانعون للمعازف لهذا الحديث أحاديث أخرى في ذم المعازف وكلها ضعيفة، بل أشد ضعفا من حديث البخاري المتقدم ذكره، وقد بينت عللها في ذلك البحث ليس هذا محل ذكره لطوله.
لكن البعض يرى أنك أثرت مسائل اجتهادية جدلية، فما قولك؟
- هذه المسألة اجتهادية وعلى الرغم من ضعف أدلة القائلين بالتحريم وقوة أدلة القائلين بإباحتها، إلا أن الرائج في المجتمع هو العكس لضعف نشر الحق في هذه المسألة وغيرها، وإباحة الغناء دلت عليه أحاديث كثيرة منها ماروي عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: دخل أبو بكر الصديق وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث، قالت : وليستا بمغنيتين، فقال أبو بكر أمزامير الشيطان في بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ وذلك في يوم عيد، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يا أبا بكر دعهما إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا»، أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما. ففي هذا الحديث أقر النبي -صلى الله عليه وسلم- سماع عائشة -رضي الله عنها- لغنائهما والتقرير أحد وجوه السنة فصح بهذا أن سماع الغناء الذي لايحمل فحشاً من القول لا حظر فيه ولا كراهة.
ويؤيد ذلك أيضاً: قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر «دعهما» فلو لم يكن سماع الغناء ومثله الإنشاد مباحاً لنهى عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عائشة -رضي الله عنها- قبل أن ينتهرها أبو بكر -رضي الله عنه-، وذلك لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أولى الناس باجتناب ما حرم الله.
وعن الربيع بنت معوذ قالت: جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- حين بنى عليّ أي في يوم زواجها فجلس على فراشي فجعلت جويريات أي بنات الأنصار لنا يضربن بالدف ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر إذ قالت إحداهن: وفينا نبي يعلم مافي غد، فقال -صلى الله عليه وسلم-: دعي هذه وقولي بالذي كنت تقولين»، أخرجه البخاري في صحيحه، وفي هذا الحديث استماع رسول الله للدف وهو من المعازف وهذا مما يؤكد ضعف حديث المعازف.
وروي عن عائشة -رضي الله عنها- أنها زفت امرأة من الأنصار فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ياعائشة ماكان معكم لهو؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو»، أخرجه البخاري في صحيحه.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كانت عندنا جارية يتيمة من الأنصار فكنت فيمن أهداها إلى زوجها، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «يا عائشة إن الأنصار أناس فيهم غزل فما قلت؟. قالت: دعونا بالبركة، قال أفلا قلتم: أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم، ولولا الذهب الأحمر ماحلت بواديكم، ولولا الحبة السمراء لم تسمن عذاريكم»، أخرجه ابن ماجه في السنن وأحمد في المسند.
ومع القول بالإباحة لم يقل أحد بأنه يسوغ للمسلم أن ينشغل بها عن واجباته أو أن جوازها يعني جواز تبرج المرأة أو التهاون بما علم تحريمه في الدين.
ما هو سبب إعفائك من منصب رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة مكة؟
- الذي حصل أنه صدر قرار بتكليف شخص آخر بالفرع ولم يتضمن إعفاء من عدمه وحينها آثرت التقاعد المبكر.
سجل عليكم انتقادكم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في التعامل مع الناس، ما هي ملاحظاتكم في ذلك؟
- الأخطاء سبق الإشارة إليها، واختصاراً يلاحظ في النظام الداخلي للهيئة أن الاختصاصات والصلاحيات غير محددة بصورة تمنع الخلل وتحسمه، كما يوجد عمومات قد توقع البعض عند تفسيرها بصورة اجتهادية تتسبب في كثير من المشكلات، إلى جانب اشتمال نظام الهيئة على مواد وأحكام تتعلق ببعض المسائل الاجتهادية الفقهية المختلف عليها التي يأخذ فيها بعض الناس بآراء فقهاء غير الحنابلة مما يوجب إعادة النظر بتلك المواد. كما أن نظام الهيئة قديم العهد ولا يخدم الهدف المقصود منه وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فضلاً عن أنه لا يوجِد حلولاً للمشكلات، وهناك تعارض في بعض مواد نظام الهيئة مع بعض مواد أنظمة جهات أخرى ونسخها لبعضها البعض. ومن الملاحظات على نظام الهيئة كذلك أنه يركز على جوانب الضبط والقبض والمنع في جملة النهي عن المنكر، ولم يعط جانب الأمر بالمعروف حقه، وهو الأساس الوقائي لمنع المنكر قبل الانشغال بضبط مرتكبيه والحرص على عقابهم، كما يلاحظ أيضا الضعف في مواد نظام الهيئة وخاصة فيما يختص بجانب إبراز اهتمام الشريعة بحقوق الإنسان عموما والمرأة والطفل والضعيف خصوصا وحقوق المواطن والمقيم المخالف وحقوق المعاهدين والذميين والديبلوماسيين حال مخالفتهم. وعليه فإن النظام ولوائحه وبنوده في المجمل بحاجة لصياغة جديدة إنسانية وحضارية تليق بهذا العمل وتقدمه للأجيال بشكل إيجابي لا قسوة ولا تعنت فيه.
كيف تقضون شهر رمضان؟
- عادة أنام بعد صلاة الفجر فإذا استيقظت لصلاة الظهر أتصفح الصحف وأكتب ما تدعو له الحاجة، وبعد صلاة العصر أخصصه لتلاوة القرآن وتصحيح التلاوة في حلقة مع أبنائي حتى الإفطار فأشاركهم الإفطار وبعد الصلاة أشاركهم مشاهدة شيء من برامج شهر رمضان، ثم بعد صلاة العشاء أنام قليلا وأستيقظ قرب الثلث الأخير لإدرك ما تيسر لي من الصلاة وأتم بعض أعمال البحث والكتابة ثم أتسحر وأصلي الفجر وهكذا دواليك، أسأل الله القبول لنا ولكم ولجميع المسلمين.
ماهي الصعوبات التي واجهتموها في آرائكم المخالفة؟
- الصعوبات كانت كثيرة جدا في السابق، ولكن على الرغم من هدير أهلها إلا أن الله منَّ عليَّ بالصبر والرضا بقضائه والعفو والصفح حين يكون محمودا، وقد كنت ولله الحمد في أوج تلك الهجمة مطمئن لربي لا أبالي بهدير الهجمة، بل أتلذذ بها أُنساً بجنب الله، وقد انعكس ذلك بفضل الله وحمده حتى وجدنا مَنْ تراجع ومَنْ استسمح ومن شكر ومن اغتبط ومن رضي، فأصبح الأكثرون على مارجحناه ولله الحمد الآن وماجرى لنا جرى لمن قبلنا ممن قال الله فيهم: (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم)، أسأل الله سبحانه لي ولكم وللجميع رحمته ورضوانه.
ما رأيكم في عمل المرأه في المحلات التجارية وتأنيث بعض الوظائف؟
- عمل المرأة أمر مباح شرعاً، إن لم يكن واجباً عليها في بعض الأحوال، وقرار تأنيث المحلات قرار مناسب جدا، وإن كان متأخراً إلا أنه قرار استراتيجي والضرورة تقتضي السعي لتنفيذه بشكل صحيح وفعال من البداية برواتب مجزية وبخطى حازمة صحيحة وسريعة لأهميته من جهات عدة أمنية واقتصادية واجتماعية.
الاختلاط ليس من نواهي التشريع
وعما إذا كان للشيخ الغامدي رأي فقهي يكاد يكون مخالفاً لرأي الفقهاء في الاختلاط، فأوضح موقفه قائلاً: الاختلاط سبق الحديث عنه وبينت معناه بأنه اجتماع النساء والرجال تحت أنظار الناس سواء كان ذلك للتعليم أو العمل أو العبادة أو غيره من الأسباب المشروعة للاجتماع، فذلك ليس من نواهي التشريع مطلقاً، وهو من الأمور المباحة، وهو غير الاختلاء، فالاختلاء معناه الانفراد بالمرأة الأجنبية عن أنظار الناس انفرادا يوجب ريبة فذلك هو الحرام.
من حق المرأة تولي الإفتاء
وبشأن النقد الذي وجهه إليه البعض، وكذلك ما عابه عليه البعض بأنه أباح حق المرأه في تولي منصب الإفتاء، قال: يجوز أن تتولى المرأة الفتيا، وقد كان بعض أمهات المؤمنين ومنهم عائشة- رضي الله عنها- وغيرها يفتين الناس وليس في النصوص ما يمنع ذلك بل النصوص الواردة في مشروعية ذلك تعم الجنسين ولا تخص أحدهما بذلك. والافتاء كمنصب ليس مقتصراً على الرجل من دون المرأة.